طباعة هذه الصفحة
الجمعة, 06 آب/أغسطس 2021 15:32

فضيلة الشيخ عبدالباري الثبيتي في خطبة الجمعة : إن من يقرأ نصوص الشرع قرأنا وسنة؛ يجد أن فوق العرش رب رؤوف رحيم لطيف بعباده

قيم الموضوع
(1 تصويت)
أمّ المسلمين اليوم لصلاة الجمعة في المسجد النبوي فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور عبدالباري الثبيتي وأستهل فضيلته خطبته الأولى بالحديث عن أجل الإنسان وعمره فقال: تمر الساعات، وتنقضي الأعوام، وتطوى مراحل من حياتنا، ويقف المرء مشدوها أمام سرعة الأيام، وتقارب الزمان، وتلاحق الأحوال، وتلاحم الأحداث، وانقضاء الأعمار؛ وماحوته الأيام التي مضت والسنون التي انقضت من أقوال وأعمال؛ لن يمحوها الزمن، ولن تأسى مع تقادم الوقت، ولن تذهب أدراج الرياح؛ وهذا يجعل المسلم يقف وقفة
تأمل واتعاظ وتدبر؛ قال تعالى: (فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون) ، وقوله صلى الله عليه وسلم من حديث برزة الأسلي: لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه، وعن علمه فيم فعل ، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم
أنفقه ، وعن جسمه فيم أبلاه) رواه الترمذي بإسناد صحيح.
تؤكد النصوص الشرعية حقيقة لا تخفى على كل مسلم، وهي أن قوله مكتوب، وفعله مرصود، وسرة معلوم، ونجواه مسموعة.
كل ذلك مدون في صحيفة كل مكلف، التي ترسمها أعماله، وتخطها سيرته، ويتحمل مسؤوليتها؛ تحصى الأعمال كل وقت وآن؛ لا تأخير فيها ولا تأجيل، عمل دؤوب، ورصد دقيق، ترفع صحائف كل يوم قبل مجيء ليله، وعمل الليل قبل شروق شمس النهار؛
فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس كلمات فقال : إن الله عز وجل لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل) رواه مسلم.
وأكمل فضيلته بالحديث عن بقاء العمل بعد انقطاع أجل العبد فقال: وإذا وافت العبد المنية؛ انقطع كل ما في الدنيا عن مرافقته إلا صحيفة عمله؛ فإنها تدخل معه في قبره؛ وإذا بعث، وفي مواقف القيامة، وعلى الصراط، وعند الميزان.
وإذا قامت القيامة، نشرت صحائف الأعمال، وتطايرت الكتب، ونصبت الموازين؛ قال
تعال: {وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ ۖ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا}.
موقف عرض الصحائف؛ ذلك المشهد المهيب، يثير الهلع، ويورث الفزع؛ مشهد يجعل القلوب وجلة، والنفوس مرهوبة؛ قال تعالى{وَتَرَىٰ كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً ۚ كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَىٰ إِلَىٰ كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (28) هَٰذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ ۚ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}.
وهناك في ساحة العرض الأكبر، والخلق في ترقب إلى أين سيقادون؛ يتسلم الناس صحائفهم، وهذا حدث له دلالاته، ومؤشر بارز له ما بعده؛ إما فرح وسرور، أو حزن وثبور؛ فمن أخذ كتابه بمينه؛ فإن نفسه تسكن، وروعه يهدأ، وتغمره مشاعر الفرح
والسرور؛ ومن أعطي كتابه بشماله؛ فحاله حال الحسرة والثبور؛ قال الله تعالى {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (8) وَيَنقَلِبُ إِلَىٰ أَهْلِهِ مَسْرُورًا (9) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (10) فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا (11) وَيَصْلَىٰ سَعِيرًا}.
ثم اختتم فضيلته خطبته الأولى بتذكير الناس بأن الله رحيم فقال: إن من يقرأ نصوص الشرع قرأنا وسنة؛ يجد أن فوق العرش رب رؤوف رحيم لطيف بعباده؛ يفتح أبواب الأمل، ويدعوا إلى تدارك ما فات وما هو آت قبل حلول الأجل؛
بأعمال تكفر الخطايا، وتمحو السيئات.
يقلب الرب - سبحانه - عباده في مواسم الخيرات المترادفة على مدار العام، ويعظم لهم فيها الأجور، ويبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، إذا عمل العبد حسنة كتبها الرب الرؤوف بعباده عشر حسنات، وضاعفها
أضعافا كثيرة، والسيئة لا يجزى العبد إلا مثلها، قال تعالى{إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا}.
والأحاديث الصحيحة في هذا الباب كثيرة منها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث أبي
هريرة رضي الله عنه: (من صام رمضان، إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه )رواه البخاري ومسلم، وعن أبي قتادة الحارث بن ربعي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (صيام يوم عرفة، أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله، والسنة التي بعده، وصيام يوم عاشوراء، أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله) رواه مسلم،
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قال سبحان الله وبحمده مائة مرة؛ غفرت ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر).
والذي عليه عامة العلماء؛ أن التكفير يشمل الصغائر دون الكبائر؛ لأن الكبائر لا بد لها من توبة،
أما قوله صلى الله عليه وسلم: (من حج لله فلم يرفث، ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه)؛ فظاهره كما ذكر العلماء أن الحج المبرور يكفر الكبائر.
ومن لطف الله تعالى ورحمته؛ أن خطأ الجاهل، وسهو الناسي، وعمل المكره معفو عنه باتفاق، ولا حساب عليه؛ لأن الإثم مرتب على المقاصد والنيات؛ فعن أبن عباس - رضي الله عنهما - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) رواه ابن ماجه بإسناد صحيح.
ونصح فضيلته في خطبته الثانية المسلمين ألا يسترسل في المعاصي فقال: وعلى المسلم العاقل ألا يسترسل مع الذنوب والمعاصي ويتساهل بحجة ما ورد من أحاديث الرجاء؛ فإنه لا يضمن تكفير الخطايا، وقد يقوم مانع يمنع من تكفير السيئات.
والناجي هو الذي يسلك حالة الاتزان بين الخوف والرجاء، يكثر من الأعمال الصالحة، ويحسن الظن بربه، ويكون على حذر من الكبائر، ولا يحتقر الصغائر؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إياكم ومحقرات الذنوب ، فإنما مثل محقرات الذنوب ؛ كمثل قوم نزلوا بطن واد ، فجاء ذا بعود، وجاء ذا بعود، حتى جمعوا ما أنضجوا به خبزهم.
وإن محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها مهلكه).
ومن المعلوم بداهة؛ أن هذه المعاني الإيمانية إذا استقرت في القلب؛ فإن لها أثرا في ضبط إيقاع الحياة، والارتقاء بسلوك الفرد وإصلاح المجتمع وتهذيبه.
فإذا سمع المسلم قوله سبحانه وتعالى {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}، أورثه ذلك يقظة تدعوه إلى أن يحفظ لسانه، ويغض بصره، ويبصر مواطن العطب فيحذرها، وإذا سمع قوله تعالى: { وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ }؛ أحيا ذلك في نفسه مراقبة الله في أفعاله، وحقق مراد ربه في نياته، وأدى حق
الله وحقوق العباد، فيصلح ويصلح، قال تعالى{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}.
قراءة 2751 مرات