طباعة هذه الصفحة
الجمعة, 13 آب/أغسطس 2021 13:39

فضيلة الشيخ د .أسامة خياط في خطبة الجمعة : اغتنموا فرصة العام الجديد في الاستزادة من كل خيرٍ عاجل أو آجِل

قيم الموضوع
(0 أصوات)
أمّ المسلمين اليوم لصلاة الجمعة في المسجد الحرام فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور أسامة خياط فتحدث فضيلته في خطبته الأولى عن بداية العام ونهايته وأنها مثل الحياة الدنيا فقال : في وداع عامٍ مضى، ومطلع عامٍ جديد: يقِفُ أولو الألباب وقفة اعتبارٍ وادِّكار، فينظرون إلى هذه الشمس تطلُع كل يوم من مشرقها ثم تغرُب في نهايته، وينظرون إلى هذا الهلال يُولَد صغيرًا أول الشّهر، حتى إذا استكمَل نموّه أخذ في النقص، حتى يتوارى عن الأنظار.
وينظرون إلى العام الجديد كيف تبدو نهايته بعيدةً، فما تلبَثُ الشهور والأيام أن تنقضي سراعًا حتى تصِل بهم إلى تلك النهاية، هنالك: يستيقنون أن هذا مثل الحياة الدنيا في زهرتها وزينتها، ومثلُ أعمال بني آدم في الفناء والانقضاء، وهي حقيقةٌ بيِّنة لا تخفى على كل لبيب، وإنما تحجُبُها حُجُب الغفلة، وتصِفُ عنها صوارِف الإعراض والاغترار وطول الأمل، وخِدع الأماني والظنون التي لا تُغني من الحق شيئًا.
وإن إدراك هذا المعنى ليحملهم على النظر فيما قدَّموا لأنفسهم طيلة أيام عامهم المُنصرِم، بسلوك سبيل المحاسبة للنفس؛ لاستصلاح الفاسد، وتدارُك الفارط، وإقامة المُعوَجّ، بالثبات على الطريق، والاستمساك بالهدى، إن كانوا من المحسنين المُوفَّقين المُهتدين.
وإن أعظم عوْنٍ على ذلك: التوبة النصوح التي أمر الله بها المؤمنين جميعًا بقوله: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، وبالندَم على ما مضى، والإقلاع عما كان من الذنوب، وبالعَزْم على عدم العودة إليها، وباغتنام الخمس التي أوصى النبي -صلى الله عليه وسلم- باغتنامها رجلاً فقال: "اغتنِم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سَقَمك، وغناك قبل فَقرك، وفراغَك قبل شُغُلك، وحياتك قبل موتك" أخرجه الحاكم في مستدركه بإسنادٍ صحيح.
ففي الشباب والصحة والغنى والفراغ من الشواغل: قوةٌ وعزيمة، ونشاطٌ وتفرُّغ، وكمال توجُّه إلى كل خير، وفي أضدادها من الهرَم والضعف وضعف القوة وفتور العزم وضيق الصدر وثِقَل الأعمال وكثرة المطالب وتشعُّب الهموم ما يقعُد بصاحبه عن ذلك، ويُعقِبُه من الحسرة ما يُكدِّر عيشَه، ويُنغِّص حياته.
ولذا كان من شأن العاقل اليَقِظ أن لا يُضيِّع شيئًا من عمره بالبطالة التي يذهب معها العمر سُدًى بغير فائدة في الدين والدنيا، أو بالجهالة التي تحملُه على اتباع الهوى، لعدم معرفة ما يضره وما ينفعه، ويحرص على السلامة من غوائل ذلك؛ بالتخطيط المحكم لعامه، والتنظيم وحسن الإدارة لأوقاته، واستثمارها في كل ما يرجو نفعه في الدنيا، وحسن العاقبة وكريم الجزاء في الآخرة.
ثم تحدث عن حسن استقبال العام بالطاعات والخير فقال: إن خير ما يُستقبَلُ به العام الجديد استهلالُه بالطاعات وألوان القُربات، ومن أظهرها: صيام شهر الله المحرم الذي هو أفضل الصيام بعد رمضان، كما جاء في الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "أفضل الصيام بعد رمضان: شهر الله المحرم..."الحديث.
وآكدُه صوم يوم عاشوراء؛ فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "صيامُ يوم عاشوراء أحتسِبُ على الله أن يُكفِّر السنة التي قبله". أخرجه مسلم في صحيحه.
فأكثِروا في هذا الشهر الحرام -يا عباد الله- من ألوان القُرَب تزدلِفون بها إلى ربكم، وتعمُرون بها أوقاتكم، بما تقرُّ به أعينكم عند ربكم، فإن افتتاح العام الجديد بالطاعة كما اختُتِم العام المُنصرِم بطاعة الحج والعمرة وصيام يوم عرفة لغير الحاج، وغير ذلك من ألوان القُرَب، مُشعِرٌ بأن عمر المسلم كله بدءًا ونهايةً عامرٌ بطاعة الله، رَطبٌ بذكره: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ).
ثم تحدث فضيلته في ختام خطبته الأولى أن نأخذ من مرور الأيام عظة فقال: وليكن مرور الأيام وانقضاء الأعوام خيرَ باعثٍ لكم على الاعتبار والادِّكار بتذكُّر انتهاء الآجال وانقضاء الأعمار، والإحسان للنفس بدوام محاسبتها، وإقامتها على الجادة، وحجزها عن التردِّي في حمأة الخطايا، والحذر من مشابهة حال من حذَّر الله من مشابهة حاله في قسوة القلب لطول الأمد، في قوله -عزَّ اسمه-: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) .
واذكروا قُدومكم على ربكم، ووقوفكم بين يديه في يومٍ ما أشدّ هوله: (إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا * وَنَرَاهُ قَرِيبًا * يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ * وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ * وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا * يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ * وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ * وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ * كَلَّا إِنَّهَا لَظَى * نَزَّاعَةً لِلشَّوَى * تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى * وَجَمَعَ فَأَوْعَى).
ثم تحدث فضيلته في خطبته الثانية عن الحرص على اغتنام الفرص فقال : إن المؤمن الذي يدعو ربَّه بدعاء نبيِّه -صلى الله عليه وسلم- قائلاً: "اللهم اجعل الحياة زيادةً لي في كل خير، والموتَ راحةً لي من كل شر"، شديد الحرص على اغتنام فرصة العمر باستثمار الليالي والأيام في كل خيرٍ يُرضِي به ربَّه، ويعلو به قدرُه، وتطيبُ به حياتُه.
ولذا فإنه يفرحُ بما منَّ الله عليه من نعمة الإمهال حتى بلَّغه العام الجديد؛ ليستكثِر فيه من أسباب الزُّلفى إلى ربه، وليستدرِك ما فاته وما فرَطَ منه بالتوبة والإنابة، وهذا مصداقُ ما أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه "لا يزيدُ المؤمنَ عمره إلا خيرًا". أخرجه مسلم في صحيحه.
ثم اختتم فضيلته خطبته الثانية بتذكير الناس بشكر الله على أن أطال في عمرهم فقال : واشكروا الله الذي بلَّغكم ما لم يُقدَّر لكثيرٍ من إخوانكم ممن طُوِيَت صحائفُهم، ووُسِّدوا الثَّرى فلم يستكمِلوا عامهم بعد أن كانوا فيه ملءَ الأسماع والأبصار.
قال الحافظ ابن رجب -رحمه الله-: "رُؤي بعض السلف في المنام فقال: ندِمنا على أمرٍ عظيم: نعلمُ ولا نعمل، وأنتم تعملون ولا تعلمون، والله لتسبيحةٌ أو تسبيحتان، أو ركعةٌ أو ركعتان في صحيفة أحدنا أحبُّ إليه من الدنيا وما فيها".
وقال بعض السلف: "كل يومٍ يعيش فيه المؤمن غنيمة".
فاغتنموا -يا عباد الله- فرصة العام الجديد في الاستزادة من كل خيرٍ عاجل أو آجِل تكونوا من المُفلِحين الفائزين، وحَذار من إضاعة أيامه ولياليه شأن الغافلين اللاهين.

CEFDE1F3 50E1 4587 843C FF643B6CD917884C9A9D 6DC5 4640 B1BA C3C41ECB90C85EBABBE7 D5CA 4221 8CCC 937E44233DBE84F09946 4D29 4F03 8975 96F9171345242474C6AC 0920 4485 BE90 F71300180A19E7FF7FFA 6EAF 44A3 BFF8 176108277B6F8643C21A 2A56 431C 9E57 87C1F9BCC36C0DFFD85B 4BCA 479F 9CD2 F13073F3DD65
قراءة 2296 مرات