طباعة هذه الصفحة
الجمعة, 27 آب/أغسطس 2021 14:25

فضيلة الشيخ ماهر المعيقلي في خطبة الجمعة : التسبيح عبادة جليلة، وطاعة عظيمة، يحيي الله به القلوب، ويضاعف به الأجور، ويمحو الله به الخطايا، ويغفر الذنوب والرزايا

قيم الموضوع
(8 أصوات)
أمّ المسلمين اليوم لصلاة الجمعة في المسجد الحرام فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور ماهر بن حمد المعيقلي فتحدث فضيلته في خطبته الأولى عن فضل ذكر الله والتسبيح فقال: لا شيء أعظم من الله، ولا ذكر أفضل من ذكره جل جلاله، ولذا كان ذكره أكبر من كل شيء، ومثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه، مثل الحي والميت، بل يرقى الحال بالذاكرين، إلى أن يباهي بهم ربهم ملائكته.

وذكر الله قرين المؤمن في حياته، في صباحه ومسائه، ونومه ويقظته، وسفره وإيابه، وطعامه وشرابه، والذاكر الصادق، هو الذي يعمل في طاعة ربه، فيذكر الله على كل أحيانه وشؤونه، قال سعيد بن جبير رحمه الله :" كل عامل لله تعالى بطاعة، فهو ذاكر لله تعالى"، وصدق الله إذ يقول: ﴿ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا مَا خَلَقْتَ هَذَا باطِلاً سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ﴾.

والتسبيح من أعظم الذكر، ولقد ورد التسبيح في القرآن الكريم، أكثر من ثمانين مرة، وافتتح سبحانه به سبع سور من كتابه، وأثبت لنفسه الأسماء الحسنى والصفات العلى، وقرن ذلك بالتسبيح له، ﴿ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾، فالتسبيح متضمن لتنزيه الرب، عن كل ما لا يليق بكماله وجلاله، فالله جل جلاله وتقدست أسماؤه، متصف بالكمال في ذاته وأسمائه وصفاته، متنزه عن العيوب والنقائص، وما لا يليق بجلاله، فهو سبحانه سبوح قدوس، رب الملائكة والروح، يحب أن يسبحه عباده، فالملائكة مع ما وكل إليهم من الأعمال العظيمة الجليلة، ﴿ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ﴾، وهم بتسبيحهم لربهم، يشرفون ويفخرون ﴿ وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (165) وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ﴾، وفي صحيح مسلم: ((إذا قضى الله أمرا سبح حملة العرش، ثم سبح أهل السماء الذين يلونهم، حتى يبلغ التسبيح أهل هذه السماء الدنيا))، أي: تنزيها له سبحانه، وتعظيما لأمره، وخضوعا وقبولا وطاعة له جل جلاله.

وأما رسل الله تعالى وأنبياؤه، فالتسبيح ذكرهم، وهو عند الشدائد مفزعهم، فنبي الله موسى عليه السلام، يدعو ربه بأن يجعل معه أخاه هارون وزيرا ؛ ليعينه على التسبيح كثيرا، فقال: ﴿ وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا ﴾، ونبينا صلى الله عليه وسلم، حياته كلها تسبيح، فإذا قرأ القرآن، ومر بآية فيها تنزيه للرحمن سبح، وإذا قام من الليل، أطال التسبيح في ركوعه وسجوده، وإذا ركب دابته قال:﴿سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا﴾، وإذا نزل واديا سبح، وإذا رأى الأمر الذي يتعجب منه سبح، وإذا أوى إلى فراشه سبح ثلاثا وثلاثين، وحين اشتد أذى المشركين له، فأحاط به الهم، وضاق به الصدر، أمره ربه بكثرة التسبيح له، لينشرح صدره، ويذهب عنه همه وغمه، فقال: ﴿ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ ﴾، فبالتسبيح يطمئن قلبك، وتقر عينك، وينشرح صدرك، ويعطيك ربك من الثواب العاجل والآجل حتى ترضى، ﴿ فَاصْبِرْ عَلى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرْضى﴾، ولعظم فضل التسبيح، لما بَلَّغَ النبي صلى الله عليه وسلم الرسالة، وأدى الأمانة، ودخل الناس في دين الله أفواجا، أخبره ربه بدنو الأجل، وأمره بأن يختم حياته بالتسبيح لله عز وجل، قالت الصديقة بنت الصديق رضي الله عنها وأرضاها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول قبل أن يموت: «سبحانك وبحمدك، أستغفرك وأتوب إليك»، رواه مسلم.

ثم تحدث فضيلته عن فضل التسبيح عند الله وثقله في الميزان فقال: التسبيح عبادة جليلة، وطاعة عظيمة، يحيي الله به القلوب، ويضاعف به الأجور، ويمحو الله به الخطايا، ويغفر الذنوب والرزايا، وهو زاد الآخرة، وغراس الجنة،  وأفضل الكلام، وأحبه إلى الرحمن، وبه يثقل الميزان، والتسبيح يشفع لصاحبه عند ربه، ويذكر به إذا وقعت له شدة، ففي مسند الإمام أحمد، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الذي تذكرون من جلال الله، وتسبيحه، وتحميده، وتهليله، تتعطف حول العرش، لهن دوي، كدوي النحل، يذكرن بصاحبهن، أفلا يحب أحدكم أن لا يزال له عند الله شيء يذكر به؟))، ونبي الله يونس عليه السلام، كان في ظلمة الليل، وظلمة البحر، وظلمة بطن الحوت، ﴿ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾، فنجاه الله تعالى وقال: ﴿ لَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾.

ولما في التسبيح من نعيم القلب وانشراحه، وراحته وسروره، فهو لا ينقطع بانقضاء الدنيا، فأهل الجنة، يلهمون التسبيح ولا يفترون عنه، بلا مشقة ولا كلفة، ﴿دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ﴾، وفي صحيح مسلم، قال صلى الله عليه وسلم: ((إن أهل الجنة … يلهمون التسبيح والتحميد، كما تلهمون النفس)).

ولقد تعبد الله سبحانه جميع المخلوقات بالتسبيح له، مقرة له بكماله وجلاله، خاضعة لسلطانه، وتوحيده وعظمته، ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ﴾،  فالسموات السبع ومن فيهن يسبح، وشمسها وقمرها، ونجومها وكواكبها، والأرض بجبالها وبحارها، ورمالها وأشجارها، وكل رطب ويابس، وكل حي وميت، فالكون كله، علويه وسفليه، يعج بالتسبيح للكبير المتعال، بلسان الحال والمقال، ﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً﴾.

ثم اختتم فضيلته خطبته الأولى عن معجزة التسبيح بإسماع الصحابة رضوان الله عليهم تسبيح الجمادات فقال: ولقد أسمع الله تعالى بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، شيئا من تسبيح الجمادات، من حنين الجذع، وتسبيح الحصى في كفه صلى الله عليه وسلم، وفي سنن الترمذي: قال ابن مسعود رضي الله عنه: "لقد كنا نأكل الطعام مع النبي صلى الله عليه وسلم، ونحن نسمع تسبيح الطعام".

فسبحان الله وبحمده عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته، مخلوقات لا أرواح لها، تعج بالتسبيح لخالقها، فما هو حالنا نحن معاشر المؤمنين.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً﴾.

ثم دعا فضيلته في خطبته الثانية لإخواننا في أفغانستان فقال: نسأل الله بمنه وكرمه أن يصلح أحوال إخواننا وأشقائنا في أفغانستان، وأن يؤلف بين قلوبهم، ويجمع كلمتهم، ويوفقهم إلى ما فيه صلاح شؤونهم، وحفظ أمنهم واستقرارهم.

4cd960ae c612 43df ae00 66c94905497652c38069 66e1 4f7d 9030 5fa7292e77b14054c6fa 61ed 4be4 8b1f d27a71904e61b23823ff 00d8 4b29 9b6d a974f7823303ae6e5439 b4ee 4c88 8f75 35a5ca78119020a967aa 7906 464d 81f5 41d3105fa285e2fdc5d1 558d 4d5f 9af2 0fa645e3e20818fed73a 7f16 45a2 acdd c6564dcc678d32fd895a c6b2 448a 9440 b1d50f9e31bd40a8370d a553 409f 83f7 2236f89efc6799bb064c 3e65 4fbe ac08 54fd2001a0fdaa37e216 8249 452f 85e1 bc3dbe2ae3bdc1386a60 9e26 441b 853d 77a8b7da870d
قراءة 5351 مرات